شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
ذكر قصة المعراج
...............................................................................
ذكر في هذه الآثار قصة المعراج, لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أو في الأثر الذي مرّ بنا أنه لما نزل جعل له مِثْل الكفتين, قعد النبي صلى الله عليه وسلم في أحدهما وقعد جبريل اسم> في الثانية يقول: فرأيته متواضعا, كأنه حلس على أرض أو على فراش، فعرفت بذلك فضله، صعد إلى السماء, يعني: وقت المعراج, لما أنه عرج به، ذكر في هذه الإسراء من مكة اسم> إلى بيت المقدس اسم> أنه أسري بهما على البراق -دابة سريعة السير- أما المعراج: فإنه ذُكر أنه في هذا الحديث جعل أو نزل عليه مثل الطائر الذي له جناحان, جلس في أحدهما, وجلس النبي عليه الصلاة والسلام في الآخر، ثم عرج به عروجا سريعا.
ذكر الله تعالى في القرآن في هذه الآيات بعض قصة المعراج، قوله: رسم> ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى قرآن> رسم> أي: قَرُبَ.. الضمير في دنا يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم, أي: قَرُبَ من السماء السابعة, وقَرُبَ من ربه, فكلمه ربه تعالى. تدليه يعني: صعوده، ثم نزوله رسم> وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى قرآن> رسم> قد يراد بالأفق هاهنا أفق السماء رسم> ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى قرآن> رسم> قربه من ربه, أو قربه من البيت المعمور, كان قاب قوسين, أي: مقدار قوسين, القوس هو الذي يرمى به, طوله نحو متر أو أقل, أو قريبا منه أو أدنى رسم> فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى قرآن> رسم> وذلك في الإسراء كما سمعنا, يعني: أن الله تعالى أوحى إليه, أي: أنزل عليه الوحي.. أوحى إليه، ومن ضمن ذلك فرض الصلوات فوق السماوات, فرض الله تعالى عليه خمسين صلاة, ثم خففها إلى أن جعلها خمسا.
أوحى إلى عبده: إما أن الله تعالى كلمه وهو سمع كلام الله, أو أنه كلمه بواسطة الملك, فأوحى إلى عبده ما أوحى، أما قوله: رسم> مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى قرآن> رسم> فالفؤاد هاهنا: يراد به قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر بعضهم أن هذه رؤيا منامية, ولكن الصحيح أن الإسراء يقظة، وأن هذه الرؤية رؤية يقظة, وأنه رأى وعقل, رأى بعيني بصره, وعقل ذلك بقلبه، فما كذب ما رأى رسم> مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى قرآن> رسم> أفتشككونه فيما يراه وفيما تحققه مِنَ الذي أطلعه الله تعالى عليه؟! رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> الضمير يعود إلى الْمَلَك, أي: قد رأى الْمَلَكُ الذي هو جبريل اسم> رسم> نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> أي: مرة أخرى, وهذا دليل على أنه رآه في صورته مَرَّتَيْن, ذُكِرَتْ إحداهما في هذه السورة في قوله تعالى: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قرآن> رسم> وذكرت الأخرى في سورة التكوير في قوله تعالى: رسم> وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> وهذه الرؤية كأنها في السماء رسم> عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى قرآن> رسم> أي: التي ينتهي إليها ما يصعد من السماء رسم> عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى قرآن> رسم> دليل على أن الجنة في السماء، وأنها عند منتهى ما فوق السماوات السبع.
رسم> أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى قرآن> رسم> يعني: تشككونه في شيء يراه رسم> لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى قرآن> رسم> أي: رأى الكبرى من آياته, أو رأى بعض آياته الكبيرة، وهذا ونحوه دليل على ما أطلع الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام لما أسري به وعرج به, أنه أسري به بواسطة هذا الملك الذي صعد به, وذكر في الحديث أنه لما جاء إلى السماء الدنيا استفتح وقيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريل اسم> قيل: ومَنْ معه؟ قال: محمد اسم> قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به وبمن جاء به, ففتحوا إلى آخر ما ذكر في حديث الإسراء. فالملك الذي هو جبريل اسم> ملك الوحي نعرف أنه خَلْقٌ من خلق الله تعالى.
وقد ذُكر في عظمته ما ذكر, سمعنا أن ما بين منكبيه مسيرة سبعمائة سنة للطائر, يعني لو طار طائر طيرانا سريعا سبعمائة سنة لكان ذلك ما بين عاتقيه أو منكبيه, أليس ذلك دليلا على عظمة هذا الخلق, وأنه على هذه الخلقة العظيمة؟! كذلك أيضا إذا عرفنا عظمة المخلوق عرفنا بذلك عظمة الخالق، فإن الذي خلق هؤلاء الملائكة على هذه الأشكال والألوان التي خلقهم عليها, وأن منهم جبريل اسم> الذي له ستمائة جناح, وهذه صفته, أو عظمة خلقه, لا شك أن الذي خلقه هو خالق كل شيء, وهو العظيم المتعالي، وإذا عرف عظمة الخالق فإن المخلوقين عليهم أن يعظموه, وأن يعبدوه حق عبادته, فإن الذي خلق هذا المخلوق بهذه الصفة وجعله على هذه الهيكل وإن لم ندركه, ولم نعرف ما هو عليه. لا شك أنه عظيم، أنه هو الرب العظيم الخالق المستحق للعبادة.
مسألة>